سيادة الصناعة وصناعة السيادة
كتب: علاء هادي الحطاب
عرّفت الموسوعة السياسية لعبد الوهاب الكيالي واخرون السيادة بأنها:
” السلطة العليا التي لا تعلوها سلطة، وميزة الدولة الاساسية الملازمة لها والتي تتميز بها عن كل ما عداها من تنظيمات داخل المجتمع السياسي المنظم،
ومركز اصدار القوانين والتشريعات والجهة الوحيدة المخولة بحفظ النظام والامن وبالتالي المحتكرة الشرعية الوحيدة لوسائل القوة ولحقّ استخدامها لتطبيق القانون”،
وكانت قوة الدولة تُقاس بمقدار احكامها السيادة على شؤونها الداخلية وعدم تدخل الدول الأخرى في سياستها العامة وقراراتها.
مفهوم السيادة الوطنية
في أواخر القرن الماضي اهتز مفهوم السيادة الوطنية، كونها شهدت الكثير من التحديات على صعيد العديد من القطاعات سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي،
أرادت الدول ذلك أم أبت، فالعولمة اخذت كثيرا من “جرف السيادة”،
كذلك مبدأ التدخل الإنساني إًبان الكوارث والاحداث الجسام التي تعجز الدول عن معالجتها لوحدها دون تدخل كالحروب الاهلية وغيرها،
حتى أن “كوفي أنان” الامين العام الاسبق للامم المتحدة عد في المشروع الذي طرحه على الجمعية العامة في دورتها (54) ” أن السيادة لم تعد خاصة بالدولة القومية التي تعتبر أساس العلاقات الدولية المعاصرة، ولكن تتعلق بالأفراد أنفسهم،
وهي تعني الحريات الأساسية لكل فرد والمحفوظة من قبل ميثاق الأمم المتحدة”.
لكن كان وما يزال الجانب الصناعي المصداق الحقيقي لمفهوم السيادة،
اذ لا يمكن لدولة مهما كانت ان تضمن سيادة بلا تدخل وخوف وقلق وهي تأكل ما لا تزرع وتلبس
ما لا تصنع وتطمئن بعدم تدخل الاخرين في شؤونها وهي رهينة بيد دول أخرى
فيما تأكل وتشرب وتلبس وتركب وتعيش في كل مفردات حياة مواطنيها لأجل العيش الكريم هو رهينة بيد الدول المصدرة لها ذلك،
وهذا من شأنه ان يقلل ثقة المواطنين بدولتهم وانتمائهم لأرضهم،
ومن هنا فإن اغلب الدول التي تُعد كبرى ومتقدمة فهي انما كبرى بصناعتها واقتصادها لا كبرى بحجم مساحة ارضها وعدد مواطنيها،
نعم الموارد البشرية لأية دولة مهمة إن احسنت الدولة استثمارهم،
والعكس ان تلك الموارد ممكن ان تمثل ” نقمة” ان لم يتم استثمارها فيتحولون الى جيوش من العاطلين عن العمل،
ما يعني ذلك مزيدا من التخلف العلمي والتربوي والصحي والثقافي والاجتماعي وتراجع لسلطة القانون امام ” سلطة الغاب”.
نجاح الصناعة واستمرار السيادة
ومن هنا فان نجاح الصناعة وتقدمها لأي بلد يمثل ضمانة مهمة وحقيقية لاستمرارية سيادتها واستقرارها الداخلي بالحد الذي يمكن لمواطنيها العيش بسلام،
ولدينا شاهد قريب عندما توترت العلاقة بين قطر والسعودية ومنعت الأخيرة دخول الطعام والشراب الى قطر كيف كادت الدولة ان تنهار
لولا التدخل الدولي وبناء جسر جوي لإيصال الماء والطعام عبر الطائرات.
فلا خيار لنا في العراق، ونحن نمتلك كل مقومات الزراعة والصناعة الا ان نصنع سيادتنا بالصناعة ونحافظ على صناعتنا بالسيادة،
فمن غير الممكن لبلد يمر فيه نهران عظيمان ان يستورد الماء، وبلد ” الثلاثين مليون نخلة” يستورد التمر،
ففي أحلك الظروف التي مرت بتأريخ العراق ابان تسعينيات القرن الماضي وما رافقها من حصار اقتصادي قاتل كان العراق يزرع ويصنع بل ويصدر بعض التمور.
تفعيل الزراعة والصناعة
خطوات جادة تجري الان لتفعيل الزراعة والصناعة سيما بعد ان اكتفى العراق من تأمين عدد كبير من المحاصيل الزراعية ذاتيا ” داخليا” وتأمين كامل للحنطة والشعير والرز وغيرها،
كذلك تأمين بيض المائدة واللحوم الأسماك،
الامر الذي يبشر بخير واطمئنان “سيادي” لعدد كبير من مفردات غذائنا وشرابنا،
الامر ذاته بات يلمس نتائجه المواطن في بعض الصناعات المحلية الغذائية وغير الغذائية،
لكن ما نحتاجه وبصورة ملحة الى امرين مهمين هما ( سياسة عامة صحيحة للحفاظ على هذا المنجز وتطويره، وكذلك تسويق صحيح للمنتج العراقي)،
لأن الجودة والسعر والوفرة ستكون معايير مهمة في السوق لذا نحتاج كمؤسسات إعلامية إقناع المستهلك بضرورة دعم المنتج الوطني وحمايته وتطويره.
مبادرة دعم الصناعة المحلية
نحن في شبكة الإعلام أطلقنا مبادرة لدعم الصناعة المحلية وستشمل كل مؤسسات الشبكة الإعلامية ووضعنا خططا لذلك وسنرى مصاديقها في الأيام القليلة المقبلة،
ما نحتاجه هو سياسة عامة يقوم بها راسمو السياسات العامة من الرسميين وغير الرسميين من منظمات ونقابات ومؤسسات مهنية التفاعل مع تلك الحملة وخطوة دعم الصناعة بشكل عام.
كل الشركات والمصانع العراقية ( القطاع العام) مدعوة للتفاعل مع حملة الشبكة التي ستكون مجانية لتلك الشركات في سبيل تسويق منتجاتها وصناعتها،
ونؤكد على مجانية كل النشاطات التي سيتم إنتاجها وبثها.
ما نحتاجه التكاتف في سبيل هذا الهدف الذي اذا نجحنا فيه جميعا سننجح حتما بأهداف اخرى .